الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء].
فإنّنا آثرنا اليوم أن نحدّكم بحديث يثبّت الطّائعين، ويذكّر الغافلين، ويعلّم الجاهلين، امتثالا لأمر الله تعالى:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذّاريات:55]..
نحدّثكم عن كبيرة من أعظم كبائر الذّنوب، ليس هناك أكبر منها بعد الإشراك بعلاّم الغيوب .. كبيرة شاعت وذاعت في المجتمعات الإسلامية، يشِبّ عليها الصّغير، ويهرِم عليها الكبير .. إنّها ترك الصّلاة ..
الصّلاة الّتي ضاع مفهومها، وفُقدت عظمتها، وانحطّت منزلتها، مع أنّها عمود الدّين، وركنه الرّكين، ووجوبها معلوم حتّى لدى الكافرين والمشركين ..
قد استهان بها النّاس فأظلمت القلوب، وتفاقمت الكروب، وبحث النّاس عن الأسباب، وطرقوا للبحث عن العلاج كل باب .. بحثوا في كل شيء إلاّ في صلاتهم، وهي أقرب الأشياء إليهم، كما قيل:( كَالعِيسِ في البيداء يهلكها الظّما *** والمـاء فوق ظهـورها محمول )
فموضوع خطبتنا معاشر المؤمنين: تعظيم قدر الصّلاة.
وإنّما اخترنا الحديث عن تعظيم قدر الصّلاة، والتّرهيب من تركها لأسباب كثيرة:
السّبب الأوّل: أنّ كثيرا من النّاس - ولله الحمد - قد منّ الله تعالى عليهم بالتّوبة والإنابة إليه، فعرف الطّريق إلى الصّلاة وأقبل عليه، فلا بدّ إذن من الثّبات عليها، فالعبرة دائما بالثّبات على العمل الصّالح إلى الممات، ولذلك أثنى الله عزّ وجلّ على المحافظين عليها فقال:{الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج:23].
ولا يليق بالمسلم الكيّس الفطن أن يكون ممّن قال الله تعالى في أمثاله:{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً} [النّحل من:92]..
والمعنى: لا تكونوا مثل تلك المرأة الحمقاء الّتي يضرب بها المثل في الحمق، ذلك لأنّها ( نقضت ) أي: أفسدت ( غزلها ) ما غزلته ( منبعد قوّة ) أي بعد جهد جهيد وإحكام شديد ( أنكاثا ) وهي العُقَد جعلتها منكوثة أي: محلولة بعد عقد وإحكام.
فتضرّعوا إلى الله سائلين متوسّلين، وارجوه رجاء المؤمنين المتضرّعين:{رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}.
السّبب الثّاني: وهو أمر واقع، ما له من دافع؛ فإنّه لا يكاد يخلو بيت من بيوت المسلمين اليوم - إلاّ ما ندر - من تارك للصّلاة !
فربّما رأيت والديه وإخوانه من أهل الصّلاح، ولكنّه هو من تاركي الصّلاة والفلاح ! فينبغي أن يعلم المؤمن أنّه يجب عليه النّصح والتّذكير، من غير تعسير ولا تنفير، فيدعوه إلى طاعة الله بإقام الصّلاة؛ قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] أي: مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر، ولا تدعوهم هملا فتأكلهم النار يوم القيامة.
وروى الحاكم عن عليّ رضي الله عنه أنّه قال في هذه الآية:" علّموا أهليكم الخير". [" صحيح التّرغيب والتّرهيب "].
وأخرج البخاري تعليقا عن مجاهد رحمه الله قال في تفسيرها: أوصوا أنفسكم وأهليكم بتقوى الله وأدّبوهم.
ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:" حافظوا على صلاة أبنائكم، وعلّموهم الخير، فإنّ الخير عادة ".
وقال الله تعالى:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} .. اصطبر .. ولم يقل اصبر .. لأنّ الأمر يحتاج إلى تكلّف الصّبر والمواظبة، ومداومة التّذكير بها والمراقبة، وأثنى الله تعالى على إسماعيل عليه السّلام فقال:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً}.
وروى أبو داود عن عبدِ اللهِ بنِ عمْرِو رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ )).
أترضى أن يأتي ولدك يوم القيامة يتعلّق بك قائلا: ربّ ! سل والدي لماذا لم يأمرني بالصّلاة ؟.. سل والدي لماذا كان يضربني على أمور الدّنيا، ولا يعنّفني في أمرك يا ربّ ؟!
كذلكم الأمر بالنّسبة للزّوج وزوجته، والزّوجة مع زوجها، على كلّ منهما أن يأمر الآخر بالصّلاة، وليستبشر الزّوجان بدعوة النبيّ العدنان صلّى الله عليه وسلّم، فقد روى أبو داود عن أبي سعيدٍ وأبي هريرةَ رضي الله عنهما قالا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( إِذَا أَيْقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّيَا، أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا، كُتِبَافِي الذَّاكِرِينَ وَالذَّاكِرَاتِ )).
فالصّلاة الصّلاة معاشر المؤمنين، ولا إيمان لمن أضاع الصّلاة.
السّبب الثّالث: أنّ النّاس يقعون في خطأ جسيم، وغلط عظيم، فإنّ جمهور المسلمين اليوم لا يفقهون ولا يدركون معنى ترك الصّلاة وإضاعتها ! ويظنّون أنّ ترك الصّلاة هو عدم الصّلاة أصلا ! وهذا مفهوم خاطئ باطل، لا يشكّ في بطلانه عاقل.
ألا فاعلموا - عباد الله - أنّ ترك الصّلاة هو تأخيرها عن وقتها حتّى يذهب .. فيترك صلاة الفجر حتّى تشرق الشّمس .. ويترك صلاة الظّهر حتّى يدخل وقت العصر .. وصلاة العصر حتى تغرب الشّمس .. والمغرب إلى غياب الشّفق الأحمر، ويترك العشاء إلى ما بعد منتصف اللّيل ..
هذا هو معنى ترك الصّلاة، فقد قال عبد الله بن عبّاس رضي الله عنه في تفسير قولهتعالى:{فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فسوف يلقون غيّا}، قال: إضاعتها هو إخراجها عن وقتها.
وروى أبو يعلى عن مصعب بن سعد قال: قلت لسعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه: أرأيت قوله تعالى:{فَوَيلٌ لِلمصَلِّينَ الَّذِينَ هُم عَن صَلاَتِهِم سَاهُونَ} أيّنا لا يسهو ؟ أيّنا لا يحدّث نفسه ؟ قال: ليس ذاك، إنّما هو إضاعة الوقت، يلهو حتى يضيع الوقت.
من هذه الآثار ندرك جيّدا أنّ الّذي يخرج الصّلاة عن وقتها لم يُقِم الصّلاة كما أمر الله تعالى، لأنّ معنى إقام الصّلاة هو أداؤها في وقتها بأركانها وواجباتها.
إذا علمتم ذلك فاستمعوا إلى النّصوص المرهّبة من ترك الصّلاة:
1- قال الله تعالى:{كُلُّ نَفسٍ بِمَا كَسَبَت رَهِينَةٌ إِلاَّ أَصحَابَ اليَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ المجُرِمِينَ * مَا سَلَكَكُم فِي سَقَرِ * قَالُوالَم نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ }
سقر !.. {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرْ} تفخيم لأمرها وتعظيم لشأنها {لاَ تًُبْقِي وَلاَ تَذَرُ} أي تأتي على كلّ شيء فتأكله، تأكل لحومهم وعروقهم وعصبهم وجلودهم إلاّ أثر السّجود، ولكنّه لم يك من المصلّين، فـ:{لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ} أي: تلوح بسببها الجلود، حتّى تطّلع على الأفئدة.
2- روى مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( بَيْنَ الرَّجُلِ وَالكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ؛ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ )).
وهذا من أشدّ النّصوص ترهيبا من ترك الصّلاة ! فالمعصية التي تُسمّى كفرا أكبر وأخطر بكثير من غيرها، وكأنّ النبيّ صلّى الله عليهوسلّم يحكم على تارك الصّلاة بحكم الكافر في وجوب قتله إن لم يتب، وهذا قول الإمام مالك وأحمد والشّافعيّ وجمهور أهل العلم.
ويكفيه ذمّا وعيبا أن يكون محلَّ خلاف لدى أهل العلم هل هو كافر أو لا ؟!
فهذا الإمام أحمد يحكم على تارك الصّلاة بالكفر، ففي حياته تطلّق منه زوجته إن لم يتب، وإن مات لم يغسّل، ولم يُصلّ عليه، ولم يُدفن في مقابر المسلمين، ولا يورث. ولا يزال الخلاف حوله قائما إلى أيّامنا هذه.
3- وفي سنن التّرمذي وغيره عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ )).
4- وروى التّرمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وسلّملَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ.
5- وروى التّرمذي أيضا وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ:
(( إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَمِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ؟ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ )).
6- وروى الطّبراني في " الأوسط" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:
(( أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ الصَّلاَةُ، فَإِنْ صَلَحَتْ صَلَحَ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ )).
7- وروى أحمد وغيره عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فَقَالَ:
(( مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلَا بُرْهَانٌ وَلَا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَالْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ، وَفِرْعَوْنَ،وَهَامَانَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ )).
وخصّ هؤلاء بالذّكر، لأنّ من النّاس من يلهو عن صلاته لأجل ماله فهو مع قارون..ومنهم من يلهو عن صلاته لأجل ملكه فهو مع فرعون ..ومنهم من انشغل عنها لجاهه فهو مع هامان ..
ومنهم من انشغل عنها لأجل كِبْرٍ في نفسه فهو مع أبيّ بن خلف. . فقد روى البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم النَّجْمَ بِمَكَّةَ، فَسَجَدَ فِيهَا، وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ، غَيْرَ شَيْخٍ - هو أبيّ بن خلف - أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى، أَوْ تُرَابٍ، فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ، وَقَالَ: ( يَكْفِينِي هَذَا ) فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا.
8- وإليك يا من يعتذر عن الصّلاة لأجل العمل .. وذاك من أجل الدّراسة .. وذاك من أجل التّعب .. استمع يا من عظّم قلبُه كلّ شيء إلاّ الصّلاة !! استمع إلى ما رواه الطّبراني عن المسور بن مخرمة قال:
" دخلت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو مُسَجَّى - أي مغطّى يوم طعنه اللّعين المجوسيّ - فقلت:كيف ترونه ؟ قالوا: كما ترى. قلت: أيقظوه بالصّلاة فإنّكم لن توقظوه لشيء أفزعَ له من الصّلاة. فقالوا: الصّلاة يا أمير المؤمنين ! فقال:"ها اللهِ !! إذن لا حقّفي الإسلام لمن ترك الصّلاة ".. فصلّى وإنّ جُرْحَه ليثعب دما ".
انظروا - إخوتي الكرام - إلى عظمة الصّلاة في قلب عمر رضي الله عنه، لتعلموا السرّ الّذي جعل عمر ومن عاش مع عمر أعظم النّاس عند ربّ العالمين، وخير أمّة أخرجت للنّاس على مرّ السّنين.
الخطبة الثّانية:
الحمد لله حمدا كما أمر، الّذي وعد المزيد لمن شكر، وأوعد بالعذاب من تولّى وكفر، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، أفضل الخلق وسيد البشر صلّى الله عليه وسلّم، اللهمّ صلّ عليه وسلّم ما اتّصلت عين بنظر، وسمعت أذن بخبر، وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدّين، أمّا بعد ..
9- فاستمعوا إلى عقاب تارك الصّلاة في قبره قبل وقوفه بين يدي ربّه، فقد روى البخاري عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ:
(( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا ؟ )).
قَالَ: فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا، فَيَقُولُ: (( مَا شَاءَ اللَّهُ ))، فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقَالَ: (( هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا ؟)) قُلْنَا: لَا، قَالَ:
(( لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ،فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ أَوْ صَخْرَةٍ فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ، فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ، فَلَا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَرَأْسُهُ وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ، فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا ؟ قالا:الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ وَيَنَامُ عَنْالصَّلَاةِ، يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )).
هذا هو جزاء تارك الصّلاة الّذي يؤخّرها عن وقتها في قبر نُكر، والسّاعة موعدهم والسّاعة أدهى وأمرّ.
فكلّ هذه النّصوص تزيد التّائبين الطّائعين ثباتا على الصّلاة، وحفاظا عليها مدى الحياة.
كلّ هذه النّصوص تبصّر الغافلين الّذين يغفلون كلّ يوم عن أداء بعض الصّلوات، في أوقاتها الّتي أرادها ربّ الأرض والسّماوات.
وخاصّة خاصّة صلاة الفجر الّتي - للأسف الشّديد – الّتي هجرها كثير من المسلمين، وكأنّ العبد هو الّذي وضع وقتها فيصلّيها متى شاء واستيقظ من نومه !..
وكأنّه لا ربّ هناك أمره بهجران نومه وملاقاة ربّه ! وكأنّه لا ربّ هناك قال:{ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَت عَلَى المُؤمِنِينَ كِتَابًا مَوقُوتًا} قال العلماء: موقوتا أي مؤقّتا أي وقّته عليهم.
كلامنا عن الصّلاة والتّرهيب من تركها له محلّه الكبير هذه الأيّام ..
ولعلّ كثيرا منّا تنفعه هذه القصّة العظيمة الّتي رواها البخاري ومسلم:
كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عائدا من إحدى غزواته مع أصحابه، فأضناهم السّفر، فنزلوا عند مكان ليبيتوا فيه.
فخشي رسول اللهصلّى الله عليه وسلّم أنّه إن نام فاتته صلاة الفجر لشدّة تعبهم، فقال: (( أَيُّكُمْ يَحْرُسُ عَلَيْنَا صَلاَةَ الفَجْرِ ؟ )).
فقال بلال رضي الله عنه: أنا يا رسول الله..
فناموا ، ثمّ غلبت بلالا عيناه .. فنام هو أيضا، فلم يستيقظوا إلاّ والشّمس ساطعة !
وكان أوّل من استيقظ هو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأمرهم أن يبتعدوا عن ذلك المكان وقال:
(( إِنَّهُ مَكَانٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ )).
ثمّ أمر بلالا بالأذان، فأذّن وصلّوا صلاتهم، ثمّ أكملوا سيرهم المبارك ..
قال أبو قتادة رضي الله عنه: فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إِلَى بَعْضٍ مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِي صَلَاتِنَا ؟! فسمعهم رسول الله صلّى الله عليهوسلّم فقال: (( إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي اليَقَظَةِ، مَنْ نَامَ عَنْ صَلاَةٍ أَوْ نَسِيَهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلاَّ ذَلِكَ ))..
تأمّلوا– عباد الله – حالهم، واسمعوا مقالهم:
· كانوا عائدين من الجهاد في سبيل إعلاء كلمة ربّ العباد ..
· اتّخذوا سببا يحرس لهم وقت صلاتهم ..
· وشعروا بألم الحسرة والخوف من الله تعالى لأجل ما حدث ..
فهل أنت كذلك ؟ هل تنام في ساعة متأخّرة من اللّيل لجهاد أو صلاة .. وهل تتّخذ الأسباب لئلاّ تفوتك صلاة الفجر ؟
ثمّ هل تشعر بعد ذلك بمرارة التّقصير في ذات الله ؟.لشتّـان بين اليزيدين في النّدى *** يزيد بن عمرو والأغر بـن حاتم
فهمُّ الفتى الأزديِّ: إتلافٌ ماله *** وهَمُّ الفتى القيسيِّ جمـع الدّراهم
فلا يحسبنّ التّمتام أنّي هجـوته *** ولكنّني فـضّلت أهـل المكـارم
فأختم حديثنا أيّها المسلمون بوصيّة لا بدّ منها، وهي:
أن يذكّر بعضنا بعضا بالمحافظة على الصّلاة، وتحذير بعضنا بعضا من طوفان الفساد الّذي عمّ بلادنا، فقد استبدل أكثر النّاس اليوم الذي هو أدنى بالّذي هو خير، ولا إخالكم تجهلون أنّ نسبة التّاركين للصّلاة في هذه الأمّة كثيرة، وإنّ أعظم صادّ عن الصّلاة هذه الأيّام ما يُعرض في بيوت المسلمين من حصص وأفلام، في الوقت الذي يُنادى فيه للعليّ العلاّم، إلى جانب ذلك كلّه، ترى أكثر المسلمين ينصرفون إلى اللّهو الباطل، ويغرقون في الطّوفان القادم، المسمّى زورا بكأس العالم ..
ثمّ اعجب لهم وهم يبكون ! بل يتباكون ! على ما يحدث في الأقصى وغيره في دول العالم الإسلاميّ ..!
من أراد أن ينصر إخوانه المسلمين فما عليه إلاّ ان يحافظ على ركن الإسلام الرّكين، وحصنه المتين، وهو الصّلاة:يا أمّتي قد وجب الكفاح *** فدعـي التّشدّق والصّياح
لابدّمن صنـع الرّجـال *** ومثـلـه صنع السّـلاح
وصناعة الأبطـال علـم *** في التّراث له اتـّضـاح
لا يـُصنـع الأبطـال إلاّ *** في مساجـدنا الفـساح
في روضـة القـرآن فـي *** ظلّ الأحاديث الصّحـاح
في صحبة الأبـرار مـمّن *** فـي رحـاب الله سـاح
أمّـة مـن غيـر صـلاة *** ورق تــذروه الرّيـاح
من خان حيّ على الصّلاة *** يخون حـيّ عـلى الكفاح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
حريّة الرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة.
تذكّر قول الله عز وجل (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).